أندر عملة فى مصر الآن هم كتاب تبسيط العلوم والثقافة العلمية، كان أول من تربينا على كتاباته العلمية هو د. أحمد زكى، أول رئيس تحرير لمجلة العربى الكويتية، الذى فتح الباب أمام عدد من هؤلاء الصفوة التى تعتبر أهم حجر بناء فى أى نهضة علمية لأى بلد متحضر، فمن يجيدون الكتابة عن العلم ويستطيعون تبسيط مصطلحاته المعقدة هم قلة لابد أن تكرم وتوضع فى العيون والقلوب، كان عندنا العبقرى د. أحمد مستجير، رحمه الله، الذى أمد المكتبة العربية العلمية بكنز من الكتب والترجمات الرائعة، ومازالت لدينا كتيبة رائعة ممن يعملون فى الظل بكل دأب وبكل صبر ودون أن يحتفى بهم أحد، على رأسهم د. أحمد شوقى وسمير حنا صادق، أمد الله فى عمرهما، وهناك د. عبدالهادى مصباح وسعد شعبان، وغيرهما ممن مازالوا مخلصين للكتابة العلمية.

من هذا المنطلق كان لابد من الاحتفاء بكتاب صغير الحجم عظيم القيمة هو كتاب «أحاديث فى العلم» للدكتور أحمد عبدالهادى من سلسلة «اقرأ» التابعة لدار المعارف. الكتاب يتحدث عن محاولات العلم للسيطرة على الطبيعة وتحقيق أحلام البشر من سعادة ورفاهية لجعل الحياة أجمل وأروع، يتحدث عن العلم بلغة الحلم الذى لا حدود له، علامة الاستفهام التى لا تخجل من طرح الأسئلة بلا خوف أو رعشة، يتحدث عن لذة الكشف العلمى وحل الألغاز وفك الشفرة من نواة الخلية حتى مجرات الفضاء الواسع.

أهم أجزاء الكتاب هو الجزء الخاص بعلوم الفضاء، وهو جزء صعب على تفكيرنا التقليدى أن يستوعبه بدعوى أنها مصاريف ع الفاضى!! ولذلك كان لابد أن نفهم أن هذه الأبحاث ليست أبحاث رفاهية ولكنها ساهمت فى رقى وتحضر ونمو وتقدم العالم خطوات تقاس بالسنين الضوئية، ستقرأ فى الكتاب عن رحلة سفينة الفضاء «سوهو» لدراسة الشمس!! «سوهو» تراقب الشمس بواسطة ٢٤ كاميرا وتبث معلوماتها المتوالية على النت، وستقرأ أيضاً عن المعمل الفضائى المسمى بـ«المحطة الفضائية الدولية»، وهى ستجعل الإنسان حاضراً فى الفضاء لمدة ٢٠ سنة، كيف انطلقت، وكيف تعاملت وتكاتفت دول العالم لحل مشاكلها، كيف أتمت ١٦٠ مهمة سباحة فى الفضاء، كيف التحم «ديسكفرى» معها؟ آلاف الأسئلة حلها تعاون العلماء من أمريكا وروسيا واليابان ودول أخرى تحلم بالمستقبل ولا تغرق فى الماضى.

تخيلوا مشكلة مثل مشكلة بدلة الفضاء. أنتم تتخيلون أنها مشكلة تافهة مقارنة بمشاكل المركبة الفضائية نفسها، لكن عندما تطلع على أسلوب حل مثل هذه المشكلة ستنحنى شكراً وإعجاباً لمثل هذه العقول التى تربت على علامات الاستفهام والجسارة الفكرية، لو لم يرتد رائد الفضاء البدلة سيغمى عليه فى ١٥ ثانية لعدم وجود أكسجين، وسيتكلس دمه لعدم وجود ضغط جوى، وسيتمدد قلبه وجلده لارتفاع درجة الحرارة وتعرضه للإشعاعات الكونية، كان لابد من اختراع بدلة يرى منها جيداً وتحقق الظروف المناسبة ويتحرك جسمه فيها بسهولة ويتحدث مع زملائه والمحطات الأرضية، بها طبقة لها قدرة على امتصاص البول، وطبقة بها سائل تبريد للتهوية والتخلص من الحرارة الزائدة، وزمزمية شرب وأسطوانة أكسجين احتياطية.... إلخ.

ستقرأ عن تليسكوب هابل العملاق وعلم النانو تكنولوجى والذكاء الصناعى. باختصار ستقرأ عن قضايا لا تعرضها برامج التوك شو المصرية، وسترتاح ولو لدقائق من متابعة معركة النقاب العظيمة على تويتر، وسماع تفاصيل حكاية المناضل الذى أحرق صالون حلاقة جاره لأنه يحلق الذقن بالفتلة! ومشاهدة برامج العلاج ببول الإبل وأعشاب شمهورش!